الدولة الثيوقراطية:
هي الدولة الدينية على المفهوم الذي ساد أوروبا لقرون طويلة في ظل هيمنة وسيطرة رجال الكنيسة على مقاليد الأمور؛ وهي دولة تجتمع فيها سلطة الحاكم وسلطة التقنين والتشريع بيد الكنيسة، ممثلة في البابا والقساوسة ومَن يرضون عنه ويقرونه مِن الحكام مِن الأباطرة والقياصرة والملوك والأمراء، ومَن دار في فلكهم مِن الأمراء والنبلاء والإقطاعيين، فالحكم هنا مطلق، والتشريع حق للكنيسة، وللبابا قداسة وعصمة، بتفويض إلهي!
ومن تقره الكنيسة مِن الحكام فله الحكم المطلق أيضًا مؤيد بتوفيق مِن الرب وإلهام، كما كانوا يعتقدون.. !
وعامة الشعب لا يتمتعون بكثير مِن الحريات؛ فهم منقادون مقلدون "رجال الكنيسة"، خاضعون لحكامهم، لا يَسلمون مِن تعدي أصحاب النفوذ عليهم، واستبدادهم بهم.
وهذا هو واقع أوروبا قبل النهضة، كما عاشته ومارسته، وينبغي أن ننتبه إلى أنه خلال هذه الأزمنة مِن استبداد الكنيسة وطغيانها كانت البلاد الإسلامية تعيش في ظل الدولة الإسلامية لا تعرف العصمة والقداسة لحاكميها، ويتمتع سائر المسلمين في بلاد الإسلام بحرية العمل والتجارة والتنقل والتملك، وحرية الفكر والرأي والاعتقاد، في ظل ضوابط الشرع وأحكامه، وقادت الأمة الإسلامية بحضارتها البشرية إلى الرقي والتقدم في ظل التسامح والعدل والأمن والأمان.
ولقد اختلط الأوروبيون واحتكوا بالمسلمين كثيرًا خلال هذه الأزمنة مِن خلال الحروب الصليبية والتبادل التجاري، ومِن خلال تواجد المسلمين في شرق أوروبا، وفي الأندلس "أسبانيا".
ولا شك أنهم رأوا وأدركوا الفارق الكبير بيْن خضوعهم لاستبداد الكنيسة، ومَن ورائها مِن الحكام وبيْن ما عليه المسلمون مِن الحريات والرقي بمقاييس عصرهم، ولا نشك أن هذا كان من دوافع ثورة الأوروبيين بعد ذلك على نظامهم الثيوقراطي.
والعجب كل العجب ممن يأتي محاولاً إسقاط مفاسد ومخازي الدولة الثيوقراطية التي عاشتها أوروبا وحدها دون غيرها على الدولة الإسلامية؛ لكون الدولة الإسلامية دولة دينية! مع الفارق الكبير بين الدولة الدينية الثيوقراطية، ومفهوم الدولة الدينية الإسلامية كما عرفها ومارسها المسلمون عبر تاريخهم الطويل